الشيخ محمد الجندي يكتب....الصدقة الجارية والسيئة الجارية
يَخْفَى عَلَى اَلْبَعْضِ أَنَّهُ كَمَا جَعَلَ اَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ يَنْتفِعُ بِهَا صَاحِبُهَا كَذَلِكَ جَعَلَ اَللَّهُ اَلسَّيِّئَةُ مِنْهَا اَلسَّيِّئَاتُ اَلْجَارِيَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ .
مِثَالٌ تَقْرِيبِيٌّ لِلسَّيِّئَةِ اَلْجَارِيَة أَنْ يَكُونَ إِنْسَانٌ يُؤْذِي اَلنَّاسُ وَإِيذَاءَهُ يَصِلُ لِأَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدَة .
كَمَنَ يُلْقِي اَلْقَاذُورَاتِ أَوْ اَلزُّجَاجِ فِي طَرِيقِ اَلنَّاسِ أَوْ فِي اَلْمَكَانِ اَلَّذِي يَسْتَظِلُّونَ بِهِ أَوْ فِي مَوَارِدِ اَلْمِيَاهِ اَلَّتِي يَنْتَفِعُ بِهِ اَلْإِنْسَانُ وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَغَيْرِهِ فَكَمَا أَنَّ صَاحِبَ اَلصَّدَقَةِ اَلَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا غَيْرهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَصِلُهُ ثَوَابُهَا - بِإِذْنِ اَللَّهِ - حَتَّى وَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَنْ هَذِهِ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا
فَكَذَلِكَ أَصْحَابُ السَّيِّئَاتِ أَوْ إيذَاءٍ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَعَدَّى إيذَائِهِمْ أَوْ يَسْتَمِرُّ هَذَا الْإِيذَاءِ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ طَالَمَا أَنَّ الْإِيذَاءَ مُسْتَمِرّ يَصِلُ إلَى أَصْحَابِ هَذَا الْفِعْلِ سَيِّئَات جَارِيَة نَسْأَل الْمَوْلَى إلَّا نَكُونَ مِنْهُمْ
. فَلْيُعْلَمْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الْمُسْتَمِرَّة أَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً بِسَبَبِ الْإِيذَاء الْأَوَّلِ وَلَكِنْ طَالَمَا أَنَّ الْإِيذَاءَ مُسْتَمِرّ وَطَالَمَا أَنَّ الشَّوْكَ يُصِيبُ النَّاسُ فِي الطَّرِيقِ أَوْ يُؤْذِي الْجَالِسِينَ عَلَيْهِ أَوْ طَالَمَا أَنَّ الْقَاذُورَات تَسِيرُ فِي مَجْرَى مِيَاه النَّاس وَيَتَأَذَّى بِهَا الطَّيْرَ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا فِي وُصُولِ السَّيِّئَات إلَيْهِمْ
نَأْخُذ لِذَلِكَ مِثَالًا وَاحِدَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ التَّفْصِيلِ
وُجُود الزُّجَاجِ الْمَكْسُورِ فِي الطَّرِيقِ
وَهَذَا مَا دَفَعَنِي إِلَى إِلَى الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ
إِنِّي وَجَدْتُ رَجُلًا يَجْلِس بِجِوَار سَيَّارَة بِهَا عَجَّلَه مُقَطَّعَة بِسَبَبِ هَذَا الزُّجَاجِ الْمَكْسُورِ الَّذِي يُوجَدُ فِي أَغْلَبِ الطُّرُق
. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلِ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا
وَوَجَدْتُهُ فِي الطَّرِيقِ الْمُقَابِل فَتًى يَشْرَب مَشْرُوبًا غَازِيًا وَيُلْقِي بِالزُّجَاجَة فِي الطَّرِيقِ فَتَحَوَّلَتْ هَذِهِ الزُّجَاجَةَ إلَى قَطْعِ صَغِيرَة وَتَحَوَّلَتْ إلَى شَوْق يُؤْذِي الْمَارَّةَ وَالدَّوَابّ وَالسَّائِرِين فِي الطَّرِيقِ وَالرَّجُل الْكَبِير وَالطِّفْلُ الصَّغِيرُ وَكُلُّ النَّاسِ يَتَأَذَّى مِنْ هَذِهِ الزُّجَاجَةَ الْمَكْسُورَة
وَهَذَا بِدُونِ عِلْمِ مَنْ هَذَا الشَّابَّ فَنَلْتمس لَهُ الْعُذْرُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ
أَنَّ هَذَا الْفِعْلِ الْبَسِيط يُؤْذِيَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ وَ يُؤْذِي الدَّوَابَّ و يُؤْذِي السَّائِرِين فِي الطَّرِيق
. فَلِذَلِكَ كَتَبْتُ هَذَا الْمَقَالُ لَعَلَّهُ أَنْ يَصِلَ إلَى أَحَدٍ شَبَابِنَا أَوْ مِنْ يَفْعُلُ ذَلِكَ الْفِعْلِ الشَّنِيع لَنَعْرِفُه أَنَّهُ بِذَلِكَ قَدْ يُصِيبُهُ سَيِّئَاتِ مَنِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِسَبَبِ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي قَدْ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ يُؤْذِي بِهِ غَيْرُهُ
وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ يُؤْذِيَ غَيْرَهُ وَيَسْتَمِرُّ هَذَا الْإِيذَاءِ لِفَتْرَة مِنْ الزَّمَنِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ بِاسْتِمْرَار هَذَا الْإِيذَاءِ كُلُّ مَا يُؤْذِي أَحَدَ مِنْ فِعْلِ وَاحِدٍ فَعَلَتْهُ مِنْ قِبَلِ كُلَّمَا يُؤْذِي شَخْص يُصِيبُك سَيِّئَاتِ مَنِ اللَّهِ كُلَّمَا يُؤْذِي شَخْصٍ اخَرَ يُصِيبُك سَيِّئَاتِ مَنِ اللَّهِ مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ لَكِنَّ السَّيِّئَات مُسْتَمِرَّة
فَنُوَجِّه هَذِهِ الرِّسَالَةِ إلَى شَبَابِنَا الْأَجِلَّاء الَّذِين نَلْتَمِس فِيهِمْ الْخَيْرِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْرَ فِي وَفِي أُمَّتِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ