بقلم راندا الكيلاني: الحياة الزوجية رباط مقدس
في ظل الاستخدام اللامحدود لمواقع التواصل الاجتماعي، التي أضحت جزءا من واقعنا المعاش، يستهين بعض الأزواج والزوجات بقدسية ما يدور بينهما، ويبوحون بأسرارهم وتفاصيل حياتهم إلي هذه المواقع باعتبارها متنفسا لمشكلاتهم وشئونهم الاجتماعية والعائلية، ويرون أنها لا تعدو كونها "دردشة" أو "فضفضة زوجية" غير مفرقين بين ما يجوز نشره وما لا يجوز.
الحياة الزوجية قائمة في الأساس على السرية وما يجري بين الزوج وزوجته، لا ينبغي لأحد أن يطلع عليه مطلقاً، حتى ولو كان أقرب الناس إليه، مشيرة إلي أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تُفشي سر زوجها، وبالتالي لا يجوز لزوجها أن يفشي سرها هي أيضا أبداً، أو أن ينقل الكلام الذي يدور بينه وبينها، سواء كان ذلك من خلال دائرة الأقارب والأصدقاء أومن خلال حديثه على الواقع الافتراضي عبر السوشيال ميديا.
ما يدور بين الزوجين من قول أو فعل، محرم إفشاؤه، لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا".
إفشاء الأسرار الزوجية يكون عن طريق سرد تفاصيل حيايتية، أو وصف الحياة الزوجية ووصف حال الزوجة كأن تفشي المرأة إلي المرأة أسرارها في حياتها الزوجية وعن صفاتها من جمال فتنقل المرأة الأخرى لزوجها ما قالته عن حياتها وصفاتها فيفتتن بها زوجها كأنه ينظر إليها وهذا محرم لما في هذا من فساد على الجميع يضرها ، ويضر الزوج، لذلك نهي الإسلام عن ذكر محاسن الزوجة لزوجها محاسن ومفاتن امرأة أخرى، لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم- (لا تُباشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَنْعَتَها لِزَوْجِها كَأنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْها)، والحكمة من المنع في الحديث: خشية أن يعجب الزوج الوصف المذكور فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة .
وتارة يكون الإفشاء لبيان أخلاق الأزواج المذمومة؛ كالبخل والجهل، أو غير ذلك، أو لبث هموم ومشكلات متكررة بينهما، التماسا للرأي والنصيحة، ومثل هذا لا يجوز علي الملأ وعلي مواقع التواصل. لأن شره وخطره أعظم مما يرجي منه من نفع. فربما يستغل البعض هذا الخلاف في الوقيعة والفتنة بين الزوجين مما يؤدي للعلاقة بينهما إلي الفشل والدمار.
ظاهرة الطلاق أحيانا تكون من أحد مسببات وقوعها - الحياة الخاصة بين الزوجين، وإفشاء كل ما فيها من الأسرار من مشاعر وعواطف وحب وإعجاب وانسجام ..أو غيرها من الشكوى وعدم اهتمام كلا منهما بالآخر... فكل هذه الأمور كان من المفترض أن تحاط بنوع من السرية والكتمان، وعدم البوح بها أو نشرها، فإذا استهان أحد الزوجين وتحدث وكشف الستر عن حياته الخاصة بما فيها من أسرار أوقعه ذلك في حرج و مشاكل مع شريكه الآخر، وربما قاد به الأمر إلي وقوع الطلاق والفرقة.
الاستهانة ببث صور وفيديوهات خاصة بالأسرة عبر السوشيال ميديا ولو كانت ممارسات يومية عادية، فذلك قد يساء استغلاله بالوقيعة والإفساد أو الحسد من قبل ضعيفي الإيمان ومعدوي الضمائر، باستغلال التطور التكنولوجي الرهيب. مشيرة إلي أن المحافظة على الأسرة يأتي من الحفاظ على قدسية أسرارها وخصوصيتها، وعدم الحديث عن كل ما يعترى حياة الأسرة من سعادة وفرح أو مشاكل وخلافات، وعدم إذاعة وبث هذا على السوشيال ميديا أو الأصدقاء والأقارب حيث أن العاقبة حينئذ ستكون بغير محمودة.
لحياة الزوجية رباط مقدس وميثاق غليظ يقوم عليه صلاح الأسرة وصلاح المجتمع، لذا سن الإسلام من التشريعات ما يضمن سلامة الحياة الاسرية وحفظ أسرار الحياة الزوجية وتحريم إفشائها, وأثني الله تبارك وتعالي علي النساء الصالحات بقوله في كتابه العزيز: ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله). ونهي النبي صلي الله عليه وسلم عن إفشاء أسرار الحياة الزوجية وعدها من أعظم الخيانة يوم القيامة، نظرا لما وردت فيها من آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة أجمعت علي تحريمها وبيان خطورتها. وما تحفل به مواقع التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة من كشف للأسرار تحت ما يسمي بـ "الفضفضة الزوجية" هو "مفسدة زوجية" لا تجوز شرعا، تؤدي إلي تفكك الأسرة، وتعطيل تقدم المجتمع وبناء الأسرة السليمة الذي يعتمد في الأساس علي حفظ الأسرار وصيانة هذا الكيان العظيم من العبث به وانتهاك خصوصياته. لذا عد القرآن الكريم الذين يستهينون بهذا الأمر بالخائنين، فقال تعالي:( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" فإفشاء الأسرار بصفة عامة، والأسرار الزوجية بصفة خاصة، لا يجوز بأي حال من الأحوال ولو مزاحا، أو "فضفضة"!
الأصل في العلاقات الأسرية بشكل عام والزوجية بشكل خاص أن تكون محاطة بقدر كبير من الخصوصية، والسرية الكاملة ذلك علي المستوي الاجتماعي والأخلاقي، والعلاقة الخاصة بين الرجل وزوجته أمر يخصهما فقط، ولا يجب علي الإطلاق من الناحية الاجتماعية قبل الدينية أن تذاع هذه الأخبار أو أن يتحدث كل من الزوجين إلي أصدقائهما عنها لأنها أمور خاصة دقيقة لا يجوز بأي حال من الأحوال إفشاؤها.
واجب علي الرجل والمرأة، سواء في حال استمرار الحياة الزوجية أو انفصالهما، ففي كل الأحوال يجب حفظ الأسرار وعدم التشهير أوالتجريح، لقوله تعالي "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" وقول الرسول الكريم "من سمّع سمّع الله به"، وقوله أيضا "كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع".
التماس الرأي والنصيحة له آدابه وقنواته الشرعية من خلال أهل الذكر الحكماء الذين يصونون الأسرار ويسدون النصيحة وفق منهج الإسلام القويم، وليس عبر مواقع افتراضية يصعب التحكم فيها، ويطلع عليها الملايين في الثانية الواحدة.
لذلك فإنه في حال الشقاق بين الزوجين ندب الشرع الحكيم الأهل المقربين دون غيرهم إلي التدخل لرأب الصدع وإنهاء الخلاف، حفظا للأسرار، فقال تعالي "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا".