الدكتور منال خيري تكتب ...”البنوك الخضراء والخدمات البنكية المستدامة”
يشير مصطلح تمويل المناخ او تمويل العمل المناخي ( Climate Finance)، الى كل الموارد المالية المخصصة لمعالجة تغير المناخ على الصعيد العالمي وعلى التدفقات المالية إلى البلدان النامية لمساعدتها في التصدي لتغير المناخ.
وهو التمويل الذي توجهه الكيانات الوطنية والإقليمية والدولية من أجل مشاريع وبرامج التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
وهي تشمل آليات الدعم الخاصة بالمناخ والمعونة المالية لأنشطة التخفيف والتكيف من أجل حفز وتمكين الانتقال إلى نمو وتنمية منخفضين الكربون وقادرين على التكيف مع تغير المناخ من خلال بناء القدرات والبحث والتطوير والتنمية الاقتصادية.
وقد استخدم هذا المصطلح بالمعنى الضيق للإشارة إلى عمليات نقل الموارد العامة من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، في ضوء التزامات الأمم المتحدة المتعلقة بالاتفاقية المناخية بتوفير «موارد مالية جديدة وإضافية»، وبمعنى أوسع للإشارة إلى جميع الموارد المالية والتدفقات المتعلقة بالتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
وفى هذا الصدد يعد موضوع البنوك الخضراء من المواضيع المهمة حيث تحظى باهتمام المجتمع الدولي ومنظمات حماية البيئة؛ فهو نموذج جديد من نماذج التنمية الاقتصادية التي تعتمد بشكل مباشر على الاستثمارات الخضراء التي تهدف إلى معالجة العلاقة المتبادلة بين الموارد الطبيعية للبيئة وبين استغلال هذه الموارد وبما يخدم المجتمع ويحقق الرفاهية الاقتصادية، والحد من الآثار العكسية للنشاطات على التغير المناخي والاحتباس الحراري واستنزاف الموارد.
لقد بدأت العديد من البنوك حول العالم بالاهتمام الكبير للتحرك نحو الخدمات المصرفية والتمويلية الخضراء من خلال تبني نموذج الصيرفة الخضراء وذلك عن طريق تقديم مجموعة من المنتجات والأنشطة الجديدة مثل الودائع الخضراء والبطاقات الائتمانية الخضراء والتمويلات الخضراء وتمويلات المساكن والمباني الخضراء والاستثمارات الخضراء والصكوك الخضراء والخدمات الرقمية من خلال التكنولوجيا المالية.
ولقد أصبح مصطلح البنك الأخضر (Green Banking) يطلق على المصارف والبنوك التي تصمم منتجاتها من أجل تمويل المشروعات الخضراء أو الصديقة للبيئة بالشكل الذي يعزز الرفاهية الاقتصادية، ولا يضر البيئة والمجتمع ومن أهم هذه المشروعات ما يلي:
- المشروعات المتعلقة بالطاقة الجديدة والمتجددة والنظيفة
ومن مصادر مستمرة لاتنضب مثل الطاقة الشمسية، والرياح،
وطاقة الأمواج، وغيرها.
- مشروعات الزراعة والثروة السمكية والأمن الغذائي.
- مشروعات الموارد المائية والمياه العذبة والأمن المائي.
- مشروعات النقل التي تستخدم الطاقة النظيفة ومخفضة
لانبعاث الكربون والتلوث.
- المشروعات العمرانية التي تستخدم مواد البناء الصديقة
للبيئة.
- مشروعات التطوير العقاري والمخططات الحضرية والتخلص
من العشوائيات.
- مشروعات المحافظة على المحميات الطبيعية ومكافحة
التصحر والجفاف.
- مشروعات إدارة النفايات والتدوير واستغلالها لصالح البيئة.
- المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المجالات صديقة
البيئة.
- مشروعات التحول الرقمي وانتهاج الإدارة الإلكترونية
وتحقيق الشمول المالي والتقليل من المعاملات الورقية
وتقليل الجهد وتخفيض التكلفة وسرعة الإنجاز.
خصائص البنوك الخضراء
تُعتبر الأعمال المصرفية الخضراء نشاطاً مصرفياً صديقاً للبيئة يأخذ في الاعتبار العناصر الثلاثة: الربح، والبيئة، والأفراد.
وتشمل الخدمات المصرفية الخضراء الائتمان والتمويل المخصص لأصحاب المشاريع الصديقة للبيئة، وبالأخص للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم ولقطاع الزراعة. كما يستخدم البنك أدوات تمويل صديقة للبيئة في أنشطته المصرفية الخضراء.
وتشمل الخدمات المصرفية الخضراء التسويق الأخضر، والتمويل الأخضر، والعمليات الخضراء والأنشطة المصرفية الأخرى التي تُعنى برعاية البيئة.
فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية تجاه البيئة،تُعنى الخدمات المصرفية الخضراء بتطوير البيئة، وتنمية المجتمع نحو حياة اجتماعية أفضل. والمبدأ الأساسي للبنوك الخضراء يرتكز على تعزيز قدرات البنك في إدارة المخاطر، ولا سيما فيما يتعلق بالبيئة وتشجيع البنوك على زيادة محفظة تمويل المنتجات الصديقة للبيئة التي تشمل الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والزراعة العضوية، والسياحة البيئية، والبيئة، ووسائل النقل الصديقة للبيئة، وغيرها من المنتجات التي حازت على العلامات البيئية المختلفة. أما التسويق الأخضر فهو نشاط تسويقي مسؤول يعتبر القضايا البيئية فرصاً لمزيد من التطور والنمو الاقتصادي.
وبذلك فإن الخدمات المصرفية الخضراء هي أي شكل من أشكال الخدمات المصرفية التي تحصل منها الدولة على فوائد بيئية.
ويُصبح البنك التقليدي بنكاً أخضر من خلال توجيه عملياته الأساسية نحو تحسين البيئة.
وتتضمن الخدمات المصرفية الخضراء تطوير إستراتيجيات مصرفية شاملة تهدف إلى تنمية الاقتصاد وتعزيز الممارسات الصديقة للبيئة.
وتستخدم البنوك الخضراء التمويل المبتكر لتسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة ومكافحة تغير المناخ، كما تهتم بمشاريع الطاقة النظيفة أكثر مما تهتم بأمور تعظيم الأرباح.
إن مهمة جميع البنوك الخضراء هي معالجة تغيّر المناخ، بالإضافة إلى مهمات أخرى منها خدمة المجتمعات، والأفراد ذوي الدخل المنخفض. وتُعنى البنوك الخضراء بتعزيز الثقافة التنظيمية والخبرات البيئية.
وتستخدم البنوك الخضراء أدوات التمويل وليس المنح، أي أنه من المتوقع عند انتهاء الأجل للتمويل إعادة رأس المال أو سداده، مما يزيد من الأثر الاجتماعي للخدمات المصرفية الخضراء. وتُركز البنوك الخضراء على الأسواق التي تعطي إمكانية لاسترداد التمويل.
سياسة البنوك الخضراء
ترتكز سياسة البنوك الخضراء على الأخذ بالاعتبار مبادئ التنمية المستدامة وتحسين القدرة على إدارة تحديات تغيّر المناخ. وللبنوك المركزية، وهيئات التنظيم المالي والمؤسسات المالية دور رئيسي في دعم مسيرة التحول نحو الخدمات المصرفية الخضراء كالآتي:
- البنوك المركزية والهيئات التنظيمية المالية لها دور رئيسي
في الاستجابة لتحديات تغير المناخ.
ونظراً إلى أن المخاطر المالية الناجمة عن تغير المناخ،
أصبحت أكثر إلحاحاً وذات صلة بالقطاع المصرفي، فإن
عدداً متزايداً من البنوك المركزية والمنظمين الماليين
يأخذونها بجدية.
- تقوم فرقة العمل المعنية بالإفصاح المالي المتعلق بالمناخ
ومجموعة دراسة التمويل المستدام التابعة لمجموعة
العشرين بتطوير عمليات الكشف عن المخاطر المالية
المتعلقة بالمناخ، والتي تساعد المستثمرين والمقرضين
وشركات التأمين ومديري الأصول في تحديد المخاطر
المالية وإدارتها، وتُحدد مجموعة دراسة التمويل المستدام
لمجموعة العشرين، العوائق أمام التمويل الأخضر، وتساعد
في تعبئة رأس المال الخاص للاستثمار الأخضر والمستدام.
- تلعب البنوك المركزية والهيئات التنظيمية المالية دوراً داعماً
في تعميم التمويل الأخضر، والتأكد من قياس المخاطر
المتعلقة بالمناخ والتحقق منها والإفصاح عنها بشكل واضح.
إلاّ أنه لا تزال العديد من البنوك المركزية مترددة في تخفيف
متطلبات رأس المال للإقراض الأخضر، من دون دليل واضح
عن انخفاض المخاطر التي تُحيط بالتمويل الأخضر.
- يقوم التحالف العالمي للخدمات المصرفية الخضراء، وهو
عبارة عن شبكة مستقلة من البنوك والتعاونيات المصرفية
ذات مهمة مشتركة لاستخدام التمويل لتحقيق التنمية
الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المستدامة، بوضع القيم
والمعايير للخدمات المصرفية الخضراء.
فوائد الخدمات المصرفية الخضراء:
تًعطي الخدمات المصرفية الخضراء للبنوك والعملاء فوائد عدة منها:
- تقليل التكاليف للبنوك: إن إتباع نهج عمل صديق للبيئة
يُساعد البنوك على توفير المال مع انخفاض فواتير الخدمات
وتقليل التكاليف.
- كسب العملاء: يُساعد تقديم الخدمات المصرفية عبر
الإنترنت والفواتير غير الورقية والمنتجات الخضراء في
جذب العملاء للبنوك.
- توفير التكاليف للعملاء: تؤدي الخدمات المصرفية الخضراء
إلى توفير التكاليف للعملاء.
- تقديم خدمات ذكية: إن البنك الأكثر مراعاة للبيئة هو بنك
أكثر ذكاءً يتمتع بالقدرة على توفير المال ورعاية البيئة
وجذب المزيد من العملاء.
#الخدمات_المصرفية_المستدامة
تُعنى الخدمات المصرفية المستدامة بتطوير إستراتيجياتها لخفض بصمتها الكربونية بهدف تعزيز سمعتها ودورها الريادي.
ويُمكن للمنتجات والخدمات المصرفية المستدامة أن تساعد في زيادة مصداقية وربحية المؤسسات المالية.
ويرغب المزيد من العملاء في أن تساهم قراراتهم الاستثمارية في جعل العالم مكاناً أفضل بغض النظر عن طبيعة النشاط الاستثماري.
وتتجاوز الخدمات المصرفية المستدامة المعاملات غير الورقية والبطاقات الرقمية لتشمل تبني الممارسات المستدامة وتمويلها.
إستراتيجيات الخدمات المصرفية المستدامة
هناك إستراتيجيات عدة للخدمات المصرفية المستدامة منها:
- الالتزام بالاستدامة: تحتاج المؤسسات المالية إلى التعهد
برعاية البيئة والأخذ في الاعتبار العدالة البيئية خلال القيام
بالممارسات المصرفية التجارية مثل الائتمان والاستثمار
والاكتتاب وتقديم المشورة.
- الالتزام بعدم إلحاق الضرر: يجب على البنوك التأكد من أنها
لا تسبب أي ضرر من خدماتها وعملياتها الجارية.
- الالتزام بالمسؤولية: يجب أن تكون البنوك والمؤسسات
المالية مسؤولة عن التأثيرات التي تحدثها على البيئة.
- الالتزام بالقيادة والدور الريادي: يجب أن تضمن المؤسسات
المالية مسؤوليتها أمام مختلف الجهات والقيام بدور ريادي
في مراعاة البيئة.
- الالتزام بالشفافية: يجب على مقدمي الخدمات المصرفية
الإفصاح عن ممارسات التمويل وسائر الخدمات المصرفية
لمختلف الجهات لضمان فهمهم للمعاملات الجارية.
- الالتزام بالأسواق المستدامة والحوكمة: يجب على البنوك
والمؤسسات المالية أن تدعم علناً السياسات والتشريعات
التنظيمية التي تُشجع نهج الاستدامة في الحياة الاجتماعية
والبيئية.
مبادئ الخدمات المصرفية المستدامة:
تقوم الخدمات المصرفية المستدامة والمسؤولة على مبادئ ترتكز على إطار ثلاثي يتناول الجوانب الاجتماعية، والبيئية، والمالية. ويعتمد نموذج أعمال الخدمات المصرفية المستدامة والمسؤولة على الحوكمة، والشفافية، والشمولية.
وتضع الأمم المتحدة مبادئ للخدمات المصرفية المسؤولة وإطار عمل لنظام مصرفي مستدام يساعد البنوك على المساهمة الإيجابية في المجتمع. وتضع الأمم المتحدة مبادئ للخدمات المصرفية المسؤولة على المستويات الإستراتيجية، والإدارية، والمعاملات، في جميع مجالات العمل. وتشمل هذه المبادئ ما يلي:
المبدأ الأول/ المحاذاة: يرتكز هذا المبدأ على مواءمة إستراتيجية العمل لتكون متسقة مع احتياجات الأفراد وأهداف المجتمع.
المبدأ الثاني/ تحديد التأثير والهدف: يرتكز هذا المبدأ على زيادة التأثيرات الإيجابية على الأشخاص والبيئة مع تقليل الآثار السلبية الناتجة عن الأنشطة والمنتجات والخدمات.
المبدأ الثالث/ المسؤولية تجاه العملاء: يرتكز هذا المبدأ على العمل بمسؤولية مع العملاء لتشجيع الممارسات المستدامة وتمكين الأنشطة الاقتصادية التي تحقق الرخاء للأجيال الحالية والمقبلة.
المبدأ الرابع/ المسؤولية تجاه مختلف الجهات: يرتكز هذا المبدأ على التشاور بشكل مسؤول والشراكة مع مختلف الجهات المعنية لتحقيق أهداف المجتمع المتكامل.
المبدأ الخامس/ الحوكمة والثقافة: يرتكز هذا المبدأ على تبني حوكمة فعَّالة وثقافة مصرفية مسؤولة.
المبدأ السادس/ الشفافية والافصاح: يرتكز هذا المبدأ على زيادة الشفافية والإفصاح عن الآثار الإيجابية والسلبية للعمليات المصرفية والمساهمة في تحقيق أهداف المجتمع ومبادئ الأمم المتحدة للنمو المصرفي المسؤول المستدام.
نمو وانتشار المصارف الخضراء والمستدامة في العالم
وضع العديد من البلدان سياسات وإرشادات ومبادئ وخرائط طريق وطنية، بهدف تعزيز الممارسات المصرفية الخضراء والمستدامة.
وقد بدأ العديد من البنوك حول العالم بالتحول عن نماذج الأعمال غير المستدامة إلى نماذج أخرى أكثر استدامة تخدم البيئة وأغراضاً اجتماعية متعددة. ونجد اليوم العديد من البنوك التي تضع إستراتيجيات بيئية واجتماعية لتعزيز مكانتها على الصعيد المحلي والدولي.
ويتوجب الآن على القطاع المصرفي التخطيط للمستقبل ولما بعد مرحلة البقاء، إذ إن نجاح البنوك لم يعد محدداً بالربحية وحدها. إن الالتزام بالاستدامة أصبح من الأمور ذات الأهمية الموازية لأهمية الربحية، ومن دون هذا الالتزام لا يُمكن للبنوك البقاء في ظل المنافسة الشديدة والتعقيدات المتزايدة على الصعيد المالي والمصرفي.
وقد أعلنت المصارف الكبرى في العالم عن برامج جديدة تشمل:
- حملات التمويل المستدام لتعزيز تمويل الطاقة النظيفة،
والنقل المستدام، والأغذية والزراعة المستدامة، وتدوير
النفايات والمواد، وخدمات النظم الإيكولوجية.
- إطلاق برامج الودائع الخضراء الجديدة التي تتيح للعملاء
باختيار كيفية ومكان استثمار ودائعهم في مشاريع خضراء
ومستدامة مثل مشاريع الطاقة المتجددة، والغذاء المستدام،
وإدارة النفايات، والحد من الانبعاث الحراري.
- عقد شراكات مع شركات صديقة للبيئة.
- تقديم قروض خضراء ورهون عقارية خضراء وبطاقات
ائتمان خضراء مصنوعة من مواد صديقة للبيئة.
الأستاذة الدكتورة منال محمود خيري، أستاذة المناهج الاقتصادية بجامعة حلوان ، عضو مجلس إدارة الكرسي العلمي للبصمة الكربونية والاستدامة